كتب الدكتور رمزي بارود، أن مقتل سبعة صحفيين وعاملين في الإعلام داخل غزة يوم 10 أغسطس أثار إدانات لفظية دولية، لكنه لم يحرّك أي خطوات ملموسة، في مشهد يكرّس نمطًا مرعبًا من لا مبالاة المجتمع الدولي أمام الإبادة الإسرائيلية المتواصلة.

أوضح ميدل إيست مونيتور أن إسرائيل باغتيالها صحفيين مثل أنس الشريف ومحمد قريقع، وجّهت رسالة سوداء مفادها أن المجزرة لا تستثني أحدًا.

ووفق موقع Shireen.ps قتلت إسرائيل منذ أكتوبر 2023 نحو 270 صحفيًا.

ويبدو أن مزيدًا من الصحفيين سيواصلون دفع حياتهم ثمنًا لتغطية مأساة شعبهم، خصوصًا بعد وصم الاحتلال لكل صحفي غزّي بـ"الإرهابي".
هذا الخطاب الوحشي رددّه مسؤولون كثر، من بينهم رئيس الاحتلال إسحاق هرتسوغ الذي زعم أن "أمة كاملة" في غزة مسؤولة عن عدم التمرد على حماس، ما يعني نفي وجود أبرياء.

يمضي الخطاب الإسرائيلي في تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، حتى عبر دبلوماسيين يُفترض أن مهمتهم تحسين صورة دولتهم.
ففي يناير 2024 قالت السفيرة لدى بريطانيا تسيبي حوطوفلي إن "كل مدرسة وكل مسجد وكل بيت ثانٍ يحتوي على أنفاق"، في تبرير لتحويل غزة كلها إلى هدف عسكري مشروع.

يكشف تقرير يورو ميد لحقوق الإنسان أن إسرائيل دمّرت أكثر من 70% من بنية غزة التحتية.
ووفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، أصيبت 97% من مرافق التعليم، ويحتاج 91% منها إلى إعادة بناء شاملة، بينما قُتل مئات المعلمين وآلاف الطلبة.
هكذا تتحوّل الكلمات المتطرفة إلى سياسة إجرامية على الأرض، حيث تستهدف آلة الحرب الأطفال والنساء والنخب الفكرية والطبية والإعلامية والفنية، في محاولة لكسر المجتمع وتجريده من قياداته.

لكن لماذا يصر الاحتلال على محو العقول؟
يجيب بارود أن السبب مزدوج:

  • أولًا خصوصية غزة التي جعلت التعليم منذ النكبة ركيزة للتحرر وبناء الهوية، فتحولت رغم الحصار إلى مركز إنتاج ثقافي وفكري.
    لذلك يقصف الاحتلال المدارس ويغتال المعلمين في ما يُعرف بمصطلح "الإبادة التعليمية".
     
  • ثانيًا طبيعة الأيديولوجيا الصهيونية التي روّجت طويلًا لتفوقها الإعلامي بينما اعتمد نجاحها الحقيقي على إقصاء الصوت الفلسطيني وتجريمه.

يُظهر التاريخ كيف وُصِف كبار المثقفين الفلسطينيين مثل إدوارد سعيد بالنازي، بل استُهدفت حياته وأُحرِق مكتبه في الجامعة.
أما غزة فمثّلت العقدة الأخطر؛ فمع منع الإعلام الأجنبي، برز الصحفي والمثقف الغزّي ليروي الحقيقة، وقلب خلال عامين ميزان السردية ضد إسرائيل، ما دفعها لشن سباق محموم لاغتيال الصحفيين والأكاديميين والنشطاء.

يشدد بارود على أن هذه الحرب ضد الفكر لن تنجح، لأن الأفكار لا تُغتال والأجيال تحمل إرثها من جديد.
ويؤكد أن غزة ستنهض مرة أخرى، ليس فقط كموطن ثقافي حي، بل كمنارة لخطاب تحرري عالمي يلهم الشعوب بقوة العقل والمقاومة والإيمان بعدالة القضية.

بهذا، تتضح معالم "الحرب على الحقيقة" التي يقودها الاحتلال ضد الفلسطينيين، حرب لا تُخاض فقط بالصواريخ بل بمحاولة إخماد الكلمة الحرة التي تكشف الجريمة، غير أن جذوة الفكر والوعي تبقى عصيّة على المحو.

https://www.middleeastmonitor.com/20250822-the-war-on-truth-why-are-palestinian-journalists-being-systematically-erased/